أحكام الجمع بين الصلاتين
تعريف الجمع بين الصلاتين:
هو ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى وأداؤهما في وقت إحداهما سواء جمع تقديم أو تأخير.
وهذا الحكم خاص في الصلاة التي يصح جمعها إلى غيرها كالظهر مع العصر
والمغرب مع العشاء، أما جمع صلاة الفجر مع العشاء فلا يصح؛ لأن وقتيهما
منفصل عن بعض، إذًا صلاة الفجر لا تجمع إلى غيرها بالإجماع.
كما لا تجمع صلاة المغرب مع العصر؛ لأن صلاة العصر نهارية وصلاة المغرب ليلية ولأن الجمع عبادة يحتاج إلى دليل شرعي ( ).
حالات الجمع:
من سماحة الإسلام أن جعل للجمع حالات وأزمانا يشرع للمصلي أن يجمع فيها الصلاة تخفيفًا عنه منها:
1- الجمع بعرفة ومزدلفة: ثبتت السنة الصحيح بمشروعية جمع الحاج في عرفة بين
الظهر والعصر جمع تقديم وفي مزدلفة بين العشاء والمغرب جمع تأخير لفعله ?
[رواه مسلم].
بل حكي فيه الإجماع، وإذا فاته الجمع مع الإمام فله أن يجمع منفردًا، ولا
يختلف الحكم في حق الحاج المكي بل له أن يجمع ويقصر كغيره من الحجيج( ).
2- الجمع في سفر القصر: من جاز له القصر في سفره جاز له الجمع في نزوله
وسيره( )؛ لما روى أنس بن مالك «أن النبي ? كان إذا عجل به السير يؤخر
الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين
العشاء حين يغيب الشفق» [رواه مسلم].
أما داخل البلد فإن كانوا جماعة مسافرين جاز لهم القصر والجمع داخل البلد، ولكن ترك الجمع أفضل لأنهم مقيمون ولعدم الحاجة للجمع.
3- المطر المبيح للجمع: السنة مضت بالجمع بين المغرب والعشاء إذا كان هناك مطر تلحق به المشقة؛ لأنَّ الليل مظنة المشقة لظلمته.
قال أبو سلمة: «من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء وكذلك الوحل وهو تأثر الأسواق بالمطر»( ).
كذلك يجوز الجمع بين الظهرين بسبب المطر؛ لأن علة الجمع وقت المطر المشقة
وهي حاصلة في النهار، وهذا اختيار شيخ الإسلام وجماعة من العلماء، وقال به
الشافعي وروي عن ابن عمر، وأبان بن عثمان، وعروة بن الزبير، وسعيد بن
المسيب( )، كما أخذ به شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله.
ومثل هذا لو كان هناك ثلج وبرد أو جليد فالمعتبر في الجمع وجود المشقة( ).
4- المرض المبيح للجمع: المرض الذي يلحق صاحبه بسببه مشقة وضعف عند أداء كل
صلاة في وقتها يشرع لصاحبه أن يجمع بين الصلاتين دفعًا للمشقة، فعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: «جمع النبي ? في المدينة بين الظهر والعصر، وبين
المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر» [رواه مسلم].
وقال تعالى: ?يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ? [البقرة: 185].
فمتى لحق المكلف حرج بترك الجمع جاز له، كمن يتألم بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو شق عليه الوضوء لكل صلاة وكالمستحاضة ( ).
قال النووي: «قال مالك وأحمد: يجوز الجمع بعذر المرض والوحل ،وبه قال بعض أصحابنا، ثم قال: وهذا الوجه قوي جدًا»( ).
وكذا المرضع إذا شقَّ عليها غسل ثوبها من بول ولدها عند كل صلاة وذلك
للمشقة وكثرة النجاسة لأن المرضع معرضة لبول الطفل حال حمله وإرضاعه.
5- أسباب أخرى للجمع: قال شيخ الإسلام رحمه الله: «يجوز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله»( ).
هذا والله أعلم ما لم يتخذه ديدنًا له وإنما عند الحاجة.
فكل من له شغل أو عذر أُبيح ترك الجمعة والجماعة كخوفه على
نفسه أو حرمه أو ماله جاز له الجمع كما حكي عن الإمام أحمد والمجد وغيرهما.
مسائل في الجمع:
1- الأفضل في حق المسافر مريد الجمع بين الصلاتين أن يفعل الأرفق به من جمع
تقديم أو تأخير، إلا في عرفة فالأفضل للحاج جمع التقديم ليتفرغ للدعاء،
وفي مزدلفة جمع التأخير لانشغاله بالسير من عرفة إلى مزدلفة ولأن هذا فعله ?
حيث لم يُصَلِّ حين دفع من عرفات إلا من مزدلفة.
2- كان من هدي النبي ? أنه إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى
العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر
جمعًا.
وإذا أراد أن يركب ودخلت صلاة المغرب جمع بين المغرب وبين صلاة العشاء ( ).
والواجب عند الجمع قبل الرحيل إتمام الصلاة الرباعية لأنه ما زال في بلده ( ).
3- إذا جمع المسافر جمع تقديم مع علمه أنه يقدم البلد قبل دخول الثانية صحت
صلاته، لأن ذمته برئت، ولكن الأفضل في هذه الحال ألا يجمع ما دام أنه يعرف
أنه سيصل قبل دخول وقت الثانية، ولو جمع فلا حرج لأنه ما زال مسافرًا ( ).
وإلى هذا ذهب شيخنا ابن باز رحمه الله ( ) وقال: «لم تلزمه الإعادة لكونه
قد أدَّى الصَّلاة على الوجه الشَّرعي فإن صلَّى الثَّانية مع النَّاس صارت
له نافلة».
4- هل جمع التقديم يفتقر إلى الموالاة بين الصلاتين المجموعتين أم لا؟
قيل: الموالاة شرط لصحة الجمع بين الصلاتين فلو فرق بينهما بطل الجمع،
وبهذا قال جمهور الحنابلة والشافعية، ما لم يكن التفريق يسيرًا، كإقامة
الصلاة، والوضوء الخفيف.
وذكر ابن قدامة رحمه الله أن ضابط التفريق الذي يبطل به الجمع بين الصلاتين ما تعارف الناس على أنه طويل، فالحكم متعلق بالعُرف.
وقيل: لو فرق بينهما براتبة، أو صلى إحدى الصلاتين في البيت والثانية في
المسجد صح الجمع، لأن المقصود وصل إحدى الصلاتين المجموعتين بالأخرى.
بل لو صلَّى المغرب في أوَّل وقتها، والعشاء المجموعة إليها آخر وقت المغرب
صحَّ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، والمقصود عنده حصول الجمع في
الوقت( ).
وقال شيخنا( ) تعليقًا على كلام شيخ الإسلام: والأحوط ألا يجمع إذا لم يتصل، ولكن رأي شيخ الإسلام له قوة.
فلعل قول شيخ الإسلام هذا يُعمل به في حق من وقع في الأمر ففرق بين
الصلاتين المجموعتين جاهلاً بالحكم إذ يلتمس له عذرًا فلا يكلف بالإعادة،
والله أعلم.
5- الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر: لا يجوز جمع صلاة الجمعة مع صلاة
العصر؛ لأنَّ الجمعة صلاة منفردة عن غيرها في شروطها وأركانها حتى في
ثوابها، والسنة إنما واردة في الجمع بين الظهر والعصر، ولم يرد عنه ? أنه
جمع العصر إلى الجمعة ( ).
وليعلم أن صلاة الجمعة لا تجب على المسافر إلا إذا دخل بلدًا وقد أقيمت فيه
ولم يتضرر بالانتظار، كمن أراد أن يقيل في تلك البلد أو يستريح من عناء
السفر بعض الوقت أما العابر لها فلا تلزمه ( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «يحتمل أن تلزمه تبعًا للمقيمين، قال: في الفروع وهو متجه».
* * * *
فوائد من هديه ? في الجمع
قال الله تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ?
[الأحزاب: 21].
فمن هديه ? أن شرع سننًا، وأقر أحكامًا ليتبصر بها كل مسافر فتكون عونًا له في رحيله ونافعة له في دينه منها:
أولاً: كانت أسفاره ? دائرة بين أربعة أسفار: سفره لهجرته، وسفره للجهاد وهو أكثرها، وسفره للعمرة، وسفره للحج.
ثانيًا: كان ? إذا أراد سفرًا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها سافر بها
معه، ولما حج سافر بهن جميعًا؛ لأنَّ الحج واجب على الجميع.
ثالثًا: كان ? إذا سافر خرج من أول النهار، وكان يستحب الخروج يوم الخميس.
رابعًا: كان من هديه ? في السفر قصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين من حين
يخرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في
سفره البتة، وقد سبق الكلام عنه.
خامسًا: ومن هديه ? أنه كان يقتصر في سفره على الفرض، ولم يحفظ عنه ? أنه
صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر فإنه لم
يكن يدعه حضرًا ولا سفرًا، مما يدل على آكديته.
أما مطلق النوافل كتحية المسجد وسنة الضحى وسنة الجمعة لمن صلى مع جماعة المسلمين، وسنة الوضوء وغيرها فإنها تصلى في السفر.
قال ابن تيمية رحمه الله: «الأفضل في حق المسافر التطوع بمطلق النوافل».
سادسا: كان ? يتطوع في سفره على راحلته حيث توجهت به وكان يومئ برأسه في
الركوع والسجود وهذا فيه توسعة وترغيب في العبادة في السفر فمن كان في
سيارة أو طائرة أو باخرة يشرع له التنفل بمطلق النوافل فهنيئًا لمن عرف ربه
بشدته ورخائه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ?: «احفظ
الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»( ).
هذا ما تيسر جمعه وبيانه، لتبصير أهل الحق وطالبي الحقيقة، فالله أسأل أن
يجعله عملاً مقبولاً، وأن ينفعنا بما نقول إنه أهل الفضل والإنعام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعريف الجمع بين الصلاتين:
هو ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى وأداؤهما في وقت إحداهما سواء جمع تقديم أو تأخير.
وهذا الحكم خاص في الصلاة التي يصح جمعها إلى غيرها كالظهر مع العصر
والمغرب مع العشاء، أما جمع صلاة الفجر مع العشاء فلا يصح؛ لأن وقتيهما
منفصل عن بعض، إذًا صلاة الفجر لا تجمع إلى غيرها بالإجماع.
كما لا تجمع صلاة المغرب مع العصر؛ لأن صلاة العصر نهارية وصلاة المغرب ليلية ولأن الجمع عبادة يحتاج إلى دليل شرعي ( ).
حالات الجمع:
من سماحة الإسلام أن جعل للجمع حالات وأزمانا يشرع للمصلي أن يجمع فيها الصلاة تخفيفًا عنه منها:
1- الجمع بعرفة ومزدلفة: ثبتت السنة الصحيح بمشروعية جمع الحاج في عرفة بين
الظهر والعصر جمع تقديم وفي مزدلفة بين العشاء والمغرب جمع تأخير لفعله ?
[رواه مسلم].
بل حكي فيه الإجماع، وإذا فاته الجمع مع الإمام فله أن يجمع منفردًا، ولا
يختلف الحكم في حق الحاج المكي بل له أن يجمع ويقصر كغيره من الحجيج( ).
2- الجمع في سفر القصر: من جاز له القصر في سفره جاز له الجمع في نزوله
وسيره( )؛ لما روى أنس بن مالك «أن النبي ? كان إذا عجل به السير يؤخر
الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين
العشاء حين يغيب الشفق» [رواه مسلم].
أما داخل البلد فإن كانوا جماعة مسافرين جاز لهم القصر والجمع داخل البلد، ولكن ترك الجمع أفضل لأنهم مقيمون ولعدم الحاجة للجمع.
3- المطر المبيح للجمع: السنة مضت بالجمع بين المغرب والعشاء إذا كان هناك مطر تلحق به المشقة؛ لأنَّ الليل مظنة المشقة لظلمته.
قال أبو سلمة: «من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء وكذلك الوحل وهو تأثر الأسواق بالمطر»( ).
كذلك يجوز الجمع بين الظهرين بسبب المطر؛ لأن علة الجمع وقت المطر المشقة
وهي حاصلة في النهار، وهذا اختيار شيخ الإسلام وجماعة من العلماء، وقال به
الشافعي وروي عن ابن عمر، وأبان بن عثمان، وعروة بن الزبير، وسعيد بن
المسيب( )، كما أخذ به شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله.
ومثل هذا لو كان هناك ثلج وبرد أو جليد فالمعتبر في الجمع وجود المشقة( ).
4- المرض المبيح للجمع: المرض الذي يلحق صاحبه بسببه مشقة وضعف عند أداء كل
صلاة في وقتها يشرع لصاحبه أن يجمع بين الصلاتين دفعًا للمشقة، فعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: «جمع النبي ? في المدينة بين الظهر والعصر، وبين
المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر» [رواه مسلم].
وقال تعالى: ?يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ? [البقرة: 185].
فمتى لحق المكلف حرج بترك الجمع جاز له، كمن يتألم بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو شق عليه الوضوء لكل صلاة وكالمستحاضة ( ).
قال النووي: «قال مالك وأحمد: يجوز الجمع بعذر المرض والوحل ،وبه قال بعض أصحابنا، ثم قال: وهذا الوجه قوي جدًا»( ).
وكذا المرضع إذا شقَّ عليها غسل ثوبها من بول ولدها عند كل صلاة وذلك
للمشقة وكثرة النجاسة لأن المرضع معرضة لبول الطفل حال حمله وإرضاعه.
5- أسباب أخرى للجمع: قال شيخ الإسلام رحمه الله: «يجوز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله»( ).
هذا والله أعلم ما لم يتخذه ديدنًا له وإنما عند الحاجة.
فكل من له شغل أو عذر أُبيح ترك الجمعة والجماعة كخوفه على
نفسه أو حرمه أو ماله جاز له الجمع كما حكي عن الإمام أحمد والمجد وغيرهما.
مسائل في الجمع:
1- الأفضل في حق المسافر مريد الجمع بين الصلاتين أن يفعل الأرفق به من جمع
تقديم أو تأخير، إلا في عرفة فالأفضل للحاج جمع التقديم ليتفرغ للدعاء،
وفي مزدلفة جمع التأخير لانشغاله بالسير من عرفة إلى مزدلفة ولأن هذا فعله ?
حيث لم يُصَلِّ حين دفع من عرفات إلا من مزدلفة.
2- كان من هدي النبي ? أنه إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى
العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر
جمعًا.
وإذا أراد أن يركب ودخلت صلاة المغرب جمع بين المغرب وبين صلاة العشاء ( ).
والواجب عند الجمع قبل الرحيل إتمام الصلاة الرباعية لأنه ما زال في بلده ( ).
3- إذا جمع المسافر جمع تقديم مع علمه أنه يقدم البلد قبل دخول الثانية صحت
صلاته، لأن ذمته برئت، ولكن الأفضل في هذه الحال ألا يجمع ما دام أنه يعرف
أنه سيصل قبل دخول وقت الثانية، ولو جمع فلا حرج لأنه ما زال مسافرًا ( ).
وإلى هذا ذهب شيخنا ابن باز رحمه الله ( ) وقال: «لم تلزمه الإعادة لكونه
قد أدَّى الصَّلاة على الوجه الشَّرعي فإن صلَّى الثَّانية مع النَّاس صارت
له نافلة».
4- هل جمع التقديم يفتقر إلى الموالاة بين الصلاتين المجموعتين أم لا؟
قيل: الموالاة شرط لصحة الجمع بين الصلاتين فلو فرق بينهما بطل الجمع،
وبهذا قال جمهور الحنابلة والشافعية، ما لم يكن التفريق يسيرًا، كإقامة
الصلاة، والوضوء الخفيف.
وذكر ابن قدامة رحمه الله أن ضابط التفريق الذي يبطل به الجمع بين الصلاتين ما تعارف الناس على أنه طويل، فالحكم متعلق بالعُرف.
وقيل: لو فرق بينهما براتبة، أو صلى إحدى الصلاتين في البيت والثانية في
المسجد صح الجمع، لأن المقصود وصل إحدى الصلاتين المجموعتين بالأخرى.
بل لو صلَّى المغرب في أوَّل وقتها، والعشاء المجموعة إليها آخر وقت المغرب
صحَّ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، والمقصود عنده حصول الجمع في
الوقت( ).
وقال شيخنا( ) تعليقًا على كلام شيخ الإسلام: والأحوط ألا يجمع إذا لم يتصل، ولكن رأي شيخ الإسلام له قوة.
فلعل قول شيخ الإسلام هذا يُعمل به في حق من وقع في الأمر ففرق بين
الصلاتين المجموعتين جاهلاً بالحكم إذ يلتمس له عذرًا فلا يكلف بالإعادة،
والله أعلم.
5- الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر: لا يجوز جمع صلاة الجمعة مع صلاة
العصر؛ لأنَّ الجمعة صلاة منفردة عن غيرها في شروطها وأركانها حتى في
ثوابها، والسنة إنما واردة في الجمع بين الظهر والعصر، ولم يرد عنه ? أنه
جمع العصر إلى الجمعة ( ).
وليعلم أن صلاة الجمعة لا تجب على المسافر إلا إذا دخل بلدًا وقد أقيمت فيه
ولم يتضرر بالانتظار، كمن أراد أن يقيل في تلك البلد أو يستريح من عناء
السفر بعض الوقت أما العابر لها فلا تلزمه ( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «يحتمل أن تلزمه تبعًا للمقيمين، قال: في الفروع وهو متجه».
* * * *
فوائد من هديه ? في الجمع
قال الله تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ?
[الأحزاب: 21].
فمن هديه ? أن شرع سننًا، وأقر أحكامًا ليتبصر بها كل مسافر فتكون عونًا له في رحيله ونافعة له في دينه منها:
أولاً: كانت أسفاره ? دائرة بين أربعة أسفار: سفره لهجرته، وسفره للجهاد وهو أكثرها، وسفره للعمرة، وسفره للحج.
ثانيًا: كان ? إذا أراد سفرًا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها سافر بها
معه، ولما حج سافر بهن جميعًا؛ لأنَّ الحج واجب على الجميع.
ثالثًا: كان ? إذا سافر خرج من أول النهار، وكان يستحب الخروج يوم الخميس.
رابعًا: كان من هديه ? في السفر قصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين من حين
يخرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في
سفره البتة، وقد سبق الكلام عنه.
خامسًا: ومن هديه ? أنه كان يقتصر في سفره على الفرض، ولم يحفظ عنه ? أنه
صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر فإنه لم
يكن يدعه حضرًا ولا سفرًا، مما يدل على آكديته.
أما مطلق النوافل كتحية المسجد وسنة الضحى وسنة الجمعة لمن صلى مع جماعة المسلمين، وسنة الوضوء وغيرها فإنها تصلى في السفر.
قال ابن تيمية رحمه الله: «الأفضل في حق المسافر التطوع بمطلق النوافل».
سادسا: كان ? يتطوع في سفره على راحلته حيث توجهت به وكان يومئ برأسه في
الركوع والسجود وهذا فيه توسعة وترغيب في العبادة في السفر فمن كان في
سيارة أو طائرة أو باخرة يشرع له التنفل بمطلق النوافل فهنيئًا لمن عرف ربه
بشدته ورخائه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ?: «احفظ
الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»( ).
هذا ما تيسر جمعه وبيانه، لتبصير أهل الحق وطالبي الحقيقة، فالله أسأل أن
يجعله عملاً مقبولاً، وأن ينفعنا بما نقول إنه أهل الفضل والإنعام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.